سورة الأحزاب - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


قوله تعالى: {إِذ جاؤوكم مِنْ فوقكم ومِن أسفلَ منكم} أي: مِنْ فوق الوادي ومن أسفله {وإِذ زاغت الأبصار} أي: مالت وعَدَلت، فلم تنظُر إِلى شيء إِلاَّ إِلى عدوِّها مُقْبِلاً من كل جانب، {وبَلَغت القلوبُ الحناجر} وهي جمع حَنْجَرَة، والحَنْجَرَة: جوف الحُلْقُوم. قال قتادة: شَخَصتْ عن مكانها، فلولا أنَّه ضاق الحُلقوم عنها أن تخرُج لخرجتْ. وقال غيره: المعنى: أنهم جَبُنوا وَجِزع أكثرهم؛ وسبيل الجبان إِذا اشتدُّ خوفُه أن تنتفخ رئته فيرتفع حينئذ القلب إِلى الحَنْجَرة، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس والفراء. وذهب ابن قتيبة إِلى أن المعنى: كادت القلوبُ تبلُغ الحُلوقَ من الخوف. وقال ابن الأنباري: كاد لا يُضْمَر ولا يُعْرَف معناه إِذا لم يُنْطَق به.
قوله تعالى: {وتَظُنُّون بالله الظنُّونا} قال الحسن: اختلفت ظنونهم، فظن المنافقون أن محمداً وأصحابه يُستأصَلون، وظن المؤمنون أنه يُنْصَر.
قرأ ابن كثير، والكسائي، وحفص عن عاصم: {الظنُّونا} و{الرَّسولا} [الأحزاب: 66] و{السَّبيلا} [الأحزاب: 67] بألف إِذا وقفوا عليهن، وبطرحها في الوصل. وقال هبيرة عن حفص عن عاصم: وصل أو وقْف بألف. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بالألف فيهن وصلاً ووقفاً. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بغير ألف في وصل ولا وقف. قال الزجاج: والذي عليه حُذَّاق النحويين والمتَّبعون السُّنَّة من قُرَّائهم أن يقرؤوا: {الظنُّونا} ويقفون على الألف ولا يَصِلون؛ وإِنما فعلوا ذلك، لأن أواخر الآيات عندهم فواصل يُثبتون في آخرها الألف في الوقف.
قوله تعالى: {هنالك} أي: عند ذلك {ابْتُلِيَ المؤمِنون} أي: اختُبروا بالقتال والحصر ليتبيَّن المُخلِص من المنافق {وزُلْزِلوا} أي: أُزعجوا وحُرِّكوا بالخوف، فلم يوجَدوا إِلا صابرين. وقال الفراء: حُرِّكوا إِلى الفتنة تحريكاً، فعُصموا.
قوله تعالى: {وإِذ يقولُ المنافقون والذين في قلوبهم مرض} فيه قولان:
أحدهما: أنه الشِّرك، قاله الحسن.
والثاني: النفاق، قاله قتادة {ما وَعَدَنا اللّهُ ورسولُه إِلاَّ غُروراً} قال المفسرون: قالوا يومئذ: إِن محمداً يَعِدنا أن نفتَح مدائن كسرى وقيصر وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله! هذا واللّهِ الغُرور. وزعم ابن السائب أن قائل هذا معتِّب بن قُشَير.


قوله تعالى: {وإِذ قالت طائفة منهم} يعني من المنافقين. وفي القائلين لهذا منهم قولان:
أحدهما: عبد الله بن أُبيّ وأصحابه، قاله السدي.
والثاني: بنو سالم من المنافقين، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {يا أهل يثرب} قال أبو عبيدة: يَثْرِب: اسم أرض، ومدينةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ناحية منها. قوله تعالى: {لا مَقَامَ لكم} وقرأ حفص عن عاصم {لا مُقَامَ} بضم الميم. قال الزجاج: من ضمَّ الميم، فالمعنى: لا إِقامة لكم؛ ومن فتحها، فالمعنى: لا مكان لكم تُقيمون فيه. وهؤلاء كانوا يثبِّطون المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {فارجِعوا} أي: إِلى المدينة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالمسلمين حتى عسكروا ب سَلْعِ، وجعلوا الخندق بينهم وبين القوم، فقال المنافقون للناس: ليس لكم هاهنا مُقام، لكثرة العدوِّ، وهذا قول الجمهور. وحكى الماوردي قولَين آخرَين.
أحدهما: لا مُقام لكم على دين محمد فارجِعوا إِلى دين مشركي العرب، قاله الحسن.
والثاني: لا مُقام لكم على القتال، فارجعوا إِلى طلب الأمان، قاله الكلبي.
قوله تعالى: {ويستأذنُ فريقٌ منهم النَّبيَّ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم بنو حارثة، قاله ابن عباس. وقال مجاهد: بنو حارثة ابن الحارث بن الخزرج. وقال السدي: إِنما استأذنه رجلان من بني حارثة.
والثاني: بنو حارثة، وبنو سلمة بن جشم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {إِنَّ بيوتنا عَوْرة} قال ابن قتيبة: أي: خاليةٌ، فقد أمْكَن من أراد دخولَها، وأصل العَوْرة: ما ذهب عنه السِّتر والحِفظ، فكأنَّ الرجال سِترٌ وحفظٌ للبيوت، فاذا ذهبوا أعْوَرت البيوتُ، تقول العرب: أَعْوَرَ منزلي: إِذا ذهب سِتْرُه، أو سقط جداره، وأعْوَرَ الفارسُ: إِذا بان منه موضع خلل للضرب والطعن، يقول الله: {وما هي بِعَوْرة} لأنَّ الله يحفظها، ولكن يريدون الفرار. وقال الحسن، ومجاهد: قالوا: بيوتنا ضائعة نخشى عليها السُّرَّاق. وقال قتادة: قالوا: بيوتنا ممَّا يلي العدوّ، ولا نأمنَ على أهلنا، فكذَّبهم الله وأعلَم أنَّ قصدهم الفرار.
قوله تعالى: {ولو دُخِلَتْ عليهم من أقطارها} يعني المدينة؛ والأقطار: النواحي والجوانب، واحدها: قُطْر، {ثم سُئلوا الفتنة} وقرأ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والضحاك، والزهري، وأبو عمران، وأبو جعفر، وشيبة: {ثم سُيِلوا} برفع السين وكسر الياء من غير همز. وقرأ أُبيُّ بن كعب، ومجاهد، وأبو الجوزاء: {ثم سوءِلوا} برفع السين ومدِّ الواو بهمزة مكسورة بعدها. وقرأ الحسن، وأبو الأشهب: {ثم سُوْلوا} برفع السين وسكون الواو من غير مدٍّ ولا همز. وقرأ الأعمش، وعاصم الجحدري: {ثم سِيْلوا} بكسر السين ساكنة الياء من غير همز ولا واو. ومعنى: {سُئلوا الفتنة}، أي: سُئلوا فعلها؛ والفتنة: الشِّرك، {لآتَوْها} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: {لأَتَوَهْا} بالقصر، أي: لقصدوها، ولفعلوها.
وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {لآتَوْها} بالمد، أي لأعطَوها. قال ابن عباس في معنى الآية: لو ان الأحزاب دخلوا المدينة ثم أمروهم بالشِّرك لأشركوا.
قوله تعالى: {وما تَلَبَّثوا بها إِلاَّ يسيراً} فيه قولان:
أحدهما: وما احتَبَسوا عن الإِجابة إِلى الكفر إِلا قليلاً، قاله قتادة.
والثاني: وما تلبَّثوا بالمدينة بعد الإِجابة إِلاَّ يسيراً حتى يعذَّبوا، قاله السدي، وحكى أبو سليمان الدمشقي في الآية قولاً عجيباً، وهو أن الفتنة هاهنا: الحرب، والمعنى: ولو دُخلت المدينةُ على أهلها من أقطارها، ثم سُئل هؤلاء المنافقون الحرب لأتوها مبادِرين، وما تلبْثوا يعني الجيوش الداخلة عليهم بها- إِلاَّ قليلاً حتى يُخرجوهم منها؛ وإِنَّما منعهم من القتال معك ما قد تداخلهم من الشكِّ في دينك؛ قال: وهذا المعنى حَفِظتُه من كتاب الواقدي.
قوله تعالى: {ولقد كانوا عاهَدوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ} في وقت معاهدتهم ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم ناس غابوا عن وقعة بدر، فلمَّا علموا ما اعطى اللّهُ أهل بدر من الكرامة قالوا: لئن شهدنا قتالاً لنقاتِلَنّ، قاله قتادة.
والثاني: أنهم أهل العقبة، وهم سبعون رجلاً بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طاعة الله ونُصرة رسوله، قاله مقاتل.
والثالث: أنه لمَّا نزل بالمسلمين يوم أُحد ما نزل، عاهد اللّهَ معتّب بن قُشَير وثعلبة بن حاطب: لا نولِّي دُبُراً قطُّ، فلمَّا كان يوم الأحزاب نافقا، قاله الواقدي، واختاره أبو سليمان الدمشقي، وهو اليَق ممَّا قبله. وإِذا كان الكلام في حق المنافقين، فكيف يُطْلَق القول على أهل العَقَبة كلِّهم!
قوله تعالى: {وكان عهد الله مسؤولاً} أي: يُسأَلون عنه في الآخرة.
ثم أخبر أن الفرار لا يزيد في آجالهم، فقال: {قُلْ لن ينفعَكم الفرار إِن فَرَتم من الموت أو القتل وإِذاً لا تُمتَّعون} بعد الفرار في الدنيا {إِلاَّ قليلاً} وهو باقي آجالكم.
ثم أخبر ان ما قدَّره عليهم لا يُدفَع، بقوله: {من ذا الذي يَعْصِمُكم مِنَ الله} أي: يُجيركم ويمنعكم منه {إِن أراد بكم سُوءاً} وهو الإِهلاك والهزيمة والبلاء {أو أراد بكم رَحْمة} وهي النصر والعافية والسلامة {ولا يجِدون لهم من دُون الله وليّاً ولا نصيراً} أي: لا يجدون مُوالياً ولا ناصراً يمنعهم من مُراد الله فيهم.


قوله تعالى: {قد يَعْلَمُ اللّهُ المعوِّقين منكم} في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن رجلاً انصرف من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، فوجد أخاه لأُمِّه وابيه وعنده شِواءُ ونبيذٌ، فقال له: أنتَ هاهنا ورسولُ الله بين الرِّماح والسيوف؟! فقال: هلمَّ إِليَّ، لقد أُحيطَ بك وبصاحبك؛ والذي يُحْلَفُ به لا يستقبلها محمدٌ أبداً؛ فقال له: كذبتَ، والذي يُحْلَف به، أما والله لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بأمرك، فذهب إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرَه، فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إِلى قوله: {يسيراً}، هذا قول ابن زيد.
والثاني: أن عبد الله بن أُبيّ ومُعتّب بن قُشَير والمنافقين الذين رجعوا من الخندق إِلى المدينة، كانوا إِذا جاءهم منافق قالوا له: ويحك اجلس فلا تخرُج، ويكتُبون بذلك إِلى إِخوانهم الذين في العسكر أن ائتونا بالمدينة فإنَّا ننتظركم- يثبِّطونهم عن القتال- وكانوا لا يأتون العسكر إِلاَّ أن لا يجدوا بُدّاً، فيأتون العسكر ليرى الناسُ وجوههم، فاذا غُفل عنهم، عادوا إِلى المدينة، فنزلت هذه الآية، قاله ابن السائب.
والمعوِّق: المثبّط؛ تقول: عاقني فلان، واعتاقني، وعوَّقني: إِذا منعك عن الوجه الذي تريده. وكان المنافقون يعوِّقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نُصَّاره.
قوله تعالى: {والقائلين لإِخوانهم هَلُمَّ إِلينا} فيهم ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه المنافق الذي قال لأخيه ما ذكرناه في قول ابن زيد.
والثاني: أنهم اليهود دعَواْ إِخوانهم من المنافقين إِلى ترك القتال، قاله مقاتل.
والثالث: أنهم المنافقون دعَواْ المسلمين إِليهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {ولا يأتون البأْس} أي: لا يحضُرون القتال في سبيل الله {إِلاَّ قليلاً} للرِّياء والسُّمعة من غير احتساب، ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيراً.
قوله تعالى: {أَشِحَّةً عليكم} قال الزجاج: هو منصوب على الحال. المعنى: لا يأتون الحرب إِلا تعذيراً، بخلاءَ عليكم.
وللمفسرين فيما شحُّوا به أربعة أقوال.
أحدها: أشحة بالخير، قاله مجاهد.
والثاني: بالنفقة في سبيل الله.
والثالث: بالغنيمة، رويا عن قتادة. وقال الزجاج: بالظَّفَر والغنيمة.
والرابع: بالقتال معكم، حكاه الماوردي.
ثم أخبر عن جُبنهم فقال: {فاذا جاء الخوفُ} أي: إِذا حضر القتال {رأيتَهم ينظُرون إِليك تدورُ أعينُم كالذي يُغْشَى عليه مِنَ الموت} أي: كدوَران عين الذي يُغْشَى عليه من الموت، وهو الذي دنا موته وغشيتْه أسبابُه، فانه يخاف ويذهل عقله ويشخص بصره فلا يَطْرِف، فكذلك هؤلاء، لأنهم يخافون القتل.
{فاذا ذهبَ الخوفُ سَلَقُوكم} قال الفراء: آذَوْكم بالكلام في الأمن {بألسنة حِدادٍ} سليطة ذَرِبة، والعرب تقول: صَلَقوكم، بالصاد، ولا يجوز في القراءة؛ وهذا قول الفراء.
وقد قرأ بالصاد أُبيُّ بن كعب، وأبو الجوزاء، وأبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة في آخرين وقال الزجاج: معنى: {سلقوكم}: خاطبوكم أشدَّ مخاطَبة وأبلَغها في الغنيمة، يقال: خطيب مِسْلاق: إِذا كان بليغاً في خطبته {أَشِحَّةً على الخير} أي: خاطبوكم وهُم أشحَّة على المال والغنيمة. قال قتادة: إِذا كان وقت قسمة الغنيمة، بسطوا ألسنتهم فيكم، يقولون: أعطُونا فلستم أحقَّ بها منَّا؛ فأمَّا عند الباس، فأجبن قوم وأخذله للحق، وأمَّا عند الغنيمة، فأشحُّ قوم.
وفي المراد بالخير هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الغنيمة.
والثاني: على المال أن يُنفقوه في سبيل الله تعالى.
والثالث: على رسول الله صلى الله عليه وسلم بظَفَره. قوله تعالى: {أولئك لم يُؤْمِنوا} أي: هُمْ وإِن أظهروا الإِيمان فليسوا بمؤمِنين، لنفاقهم {فأحبَطَ اللّهُ أعمالَهم} قال مقاتل: أبطلَ جهادهم، لأنه لم يكن في إِيمان {وكان ذلك} الإِحباط {على الله يسيراً}.
ثم أخبر عنهم بما يدل على جُبنهم، فقال: {يَحْسَبون الأحزاب لم يَذهبوا} أي: يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجُبنهم أن الأحزاب بعد انهزامهم وذهابهم لم يذهبوا، {وإِن يأتِ الأحزاب} أي: يَرجعوا إِليهم كَرَّةً ثانية للقتال {يَوَدُّوا لو أنَّهم بادُون في الأعراب} أي: يتمنَّوا لو كانوا في بادية الأعراب من خوفهم، {يَسألون عن أنبائكم} أي: ودُّوا لو أنَّهم بالبُعد منكم يسألون عن أخباركم، فيقولون: ما فعل محمد وأصحابه، ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهَدة، فَرَقاً وجُبناً؛ وقيل: بل يَسألون شماتةً بالمسلمين وفرحاً بنكَبَاتهم {ولو كانوا فيكم} أي: لو كانوا يشهدون القتال معكم {ما قاتلوا إِلاَّ قليلاً} فيه قولان:
أحدهما: إِلا رمياً بالحجارة، قاله ابن السائب.
والثاني: إِلا رياءً من غير احتساب، قاله مقاتل.
ثم عاب من تخلَّف بالمدينة بقوله: {لقد كان لكم في رسول الله أُسوةٌ حسنة} أي: قُدوة صالحة. والمعنى: لقد كان لكم به اقتداءٌ لو اقتديتم به في الصبر معه كما صبر يوم أُحُد حتى كُسِرت رَباعِيَّتُه وشُجَّ جبينه وقُتِل عمُّه، وآساكم مع ذلك بنفسه.
وقرأ عاصم: {أُسوةٌ} بضم الألف؛ والباقون بكسر الألف؛ وهما لغتان. قال الفراء: أهل الحجاز وأَسَد يقولون: {إِسوة} بالكسر، وتميم وبعض قيس يقولون: {أُسوة} بالضم. وخَصَّ اللّهُ تعالى بهذه الأُسوة المؤمنين، فقال: {لِمَن كان يرجو الهل واليوم الآخر} والمعنى أن الأسوة برسول الله إِنما كانت لِمَن كان يرجو الله {واليوم الآخر}؛ وفيه قولان:
أحدهما: يرجو ما عنده من الثواب والنعيم، قاله ابن عباس.
والثاني: يخشى اللّهَ ويخشى البعث، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {وذَكَرَ اللّهَ كثيراً} أي: ذِكْراً كثيراً، لأن ذاكر الله متَّبِع لأوامره، بخلاف الغافل عنه.
ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب، فقال: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعَدَنا اللّهُ ورسولُه} وفي ذلك الوعد قولان:
أحدهما: أنه قوله: {أم حَسِبتم أن تدخلوا الجَنَّة ولَمَّا يأتكم مَثَل الذين خَلَوا مِنْ قَبْلِكم...} الآية: [البقرة: 214] فلمَّا عاينوا البلاء يومئذ قالوا: هذا ما وعَدَنا اللّهُ ورسولُه، قاله ابن عباس، وقتادة في آخرين.
والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدهم النصر والظهور على مدائن كسرى وقصور الحِيرة، ذكره الماوردي وغيره.
قوله تعالى: {وما زادهم} يعني ما رأوه {إِلاَّ إِيماناً} بوعد الله {وتسليماً} لأمره.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8