قوله تعالى: {إِذ جاؤوكم مِنْ فوقكم ومِن أسفلَ منكم} أي: مِنْ فوق الوادي ومن أسفله {وإِذ زاغت الأبصار} أي: مالت وعَدَلت، فلم تنظُر إِلى شيء إِلاَّ إِلى عدوِّها مُقْبِلاً من كل جانب، {وبَلَغت القلوبُ الحناجر} وهي جمع حَنْجَرَة، والحَنْجَرَة: جوف الحُلْقُوم. قال قتادة: شَخَصتْ عن مكانها، فلولا أنَّه ضاق الحُلقوم عنها أن تخرُج لخرجتْ. وقال غيره: المعنى: أنهم جَبُنوا وَجِزع أكثرهم؛ وسبيل الجبان إِذا اشتدُّ خوفُه أن تنتفخ رئته فيرتفع حينئذ القلب إِلى الحَنْجَرة، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس والفراء. وذهب ابن قتيبة إِلى أن المعنى: كادت القلوبُ تبلُغ الحُلوقَ من الخوف. وقال ابن الأنباري: كاد لا يُضْمَر ولا يُعْرَف معناه إِذا لم يُنْطَق به.قوله تعالى: {وتَظُنُّون بالله الظنُّونا} قال الحسن: اختلفت ظنونهم، فظن المنافقون أن محمداً وأصحابه يُستأصَلون، وظن المؤمنون أنه يُنْصَر.قرأ ابن كثير، والكسائي، وحفص عن عاصم: {الظنُّونا} و{الرَّسولا} [الأحزاب: 66] و{السَّبيلا} [الأحزاب: 67] بألف إِذا وقفوا عليهن، وبطرحها في الوصل. وقال هبيرة عن حفص عن عاصم: وصل أو وقْف بألف. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بالألف فيهن وصلاً ووقفاً. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بغير ألف في وصل ولا وقف. قال الزجاج: والذي عليه حُذَّاق النحويين والمتَّبعون السُّنَّة من قُرَّائهم أن يقرؤوا: {الظنُّونا} ويقفون على الألف ولا يَصِلون؛ وإِنما فعلوا ذلك، لأن أواخر الآيات عندهم فواصل يُثبتون في آخرها الألف في الوقف.قوله تعالى: {هنالك} أي: عند ذلك {ابْتُلِيَ المؤمِنون} أي: اختُبروا بالقتال والحصر ليتبيَّن المُخلِص من المنافق {وزُلْزِلوا} أي: أُزعجوا وحُرِّكوا بالخوف، فلم يوجَدوا إِلا صابرين. وقال الفراء: حُرِّكوا إِلى الفتنة تحريكاً، فعُصموا.قوله تعالى: {وإِذ يقولُ المنافقون والذين في قلوبهم مرض} فيه قولان:أحدهما: أنه الشِّرك، قاله الحسن.والثاني: النفاق، قاله قتادة {ما وَعَدَنا اللّهُ ورسولُه إِلاَّ غُروراً} قال المفسرون: قالوا يومئذ: إِن محمداً يَعِدنا أن نفتَح مدائن كسرى وقيصر وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله! هذا واللّهِ الغُرور. وزعم ابن السائب أن قائل هذا معتِّب بن قُشَير.